
متلازمة توريت: أعراضها، أسبابها وطرق علاجها
قد يمر بعض الأطفال بتجارب تجعلهم مختلفين عن أقرانهم، لا بسبب قدراتهم أو ذكائهم، بل لأن أجسادهم أحيانًا تتصرف بطرق لا يمكنهم التحكم بها. في الفصول الدراسية أو الأماكن العامة، قد تثير تلك التصرفات نظرات الفضول أو حتى التعليقات الجارحة. وبينما يحاول البعض إخفاء ما لا يستطيعون السيطرة عليه، يبقى التحدي الأكبر في كيفية تقبّل الذات ومواجهة العالم بثقة. في هذا المقال، نسلط الضوء على إحدى الحالات العصبية التي تُظهر لنا كيف يكون الاختلاف جزءًا من التكوين الإنساني، لا سببًا للعزلة أو الرفض.
الفهرس
- مفهوم متلازمة توريت
- أعراض متلازمة توريت
- الأعراض الحركية البسيطة
- الأعراض الحركية المعقدة
- الأعراض الصوتية البسيطة
- الأعراض الصوتية المعقدة
- أعراض أخرى مصاحبة
- أسباب متلازمة توريت
- انواع متلازمة توريت
- طرق تشخيص متلازمة توريت
- طرق علاج متلازمة توريت
- طرق الوقاية من متلازمة توريت
- المصادر المستعملة لكتابة المقال
- منظمات دولية وهيئات طبية
- مصادر أكاديمية وطبية
- مقالات ومصادر متعمقة
تُعد متلازمة توريت (Tourette Syndrome) من اضطرابات الحركة العصبية المعقدة، تمَّ تسميتها نسبة إلى الطبيب الفرنسي “جيه. جورج غيلبرت توريت” الذي وصفها لأول مرة عام 1885. تتميز هذه المتلازمة بوجود أشكال لا إرادية ومتكررة من الحركات (tics) والأصوات، التي تظهر قبل سن البلوغ، وتختلف من شخص لآخر في شدتها وتأثيرها على الحياة اليومية.
-
مفهوم متلازمة توريت
تُعد متلازمة توريت اضطرابًا عصبيًا نمائيًا يبدأ عادة في مرحلة الطفولة، وتحديدًا بين سن الخامسة والعاشرة. وتتميز هذه الحالة بظهور عرّات حركية وصوتية لا إرادية ومتكررة، تُعرف بـ tics، وتُعد العلامة الأساسية لتشخيص الاضطراب.
قد يظهر لدى بعض الأطفال غير المصابين حركات قصيرة أو أصوات عرضية تبدو مشابهة، إلا أن ما يميز متلازمة توريت هو استمرار هذه العرّات لفترة تتجاوز العام الواحد، وأنها تشمل نوعين رئيسيين:
الأول هو العرّات الحركية، مثل رمش العينين بشكل متكرر، عبوس الوجه، أو تحريك الرأس والكتفين.
أما النوع الثاني، فهو العرّات الصوتية، التي قد تتخذ شكل أصوات غير لفظية مثل تنحنح الحلق (clearing throat)، إصدار أصوات غير مفهومة، أو أحيانًا كلمات أو عبارات معينة تتكرر بشكل لا إرادي.
من الجانب النفسي والاجتماعي، فإن ظهور هذه الأعراض بشكل مفاجئ وغير متحكم فيه قد يترك أثرًا عميقًا على الحالة النفسية للطفل أو المراهق. فالكثير من المصابين قد يعانون من التوتر والقلق، وقد يشعرون بالعزلة أو يتعرضون للتنمر بسبب تصرفاتهم غير المألوفة.
كما أن متلازمة توريت قد تترافق أحيانًا مع اضطرابات أخرى مثل اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD) أو اضطرابات طيف التوحد، مما يجعل الدعم النفسي والاجتماعي جزءًا أساسيًا من التعامل مع الحالة.
-
أعراض متلازمة توريت
-
الأعراض الحركية البسيطة
تُعد العرّات الحركية البسيطة من أكثر الأعراض شيوعًا في متلازمة توريت، وتظهر غالبًا في شكل حركات سريعة ومتكررة تشمل أجزاء مختلفة من الوجه والجسم. من أمثلتها رمش العينين بشكل متكرر، ورفع أو خفض الحاجبين بصورة لا إرادية، بالإضافة إلى حركات في الرأس مثل هزّه دون سبب واضح. وقد تظهر أيضًا تقلصات مفاجئة في الكتفين أو الذراعين، أو حركات في الوجه مثل تقطيب الأنف أو شد الفم.
-
الأعراض الحركية المعقدة
في حالات أكثر تطورًا، قد تظهر عرّات حركية معقدة، وهي غالبًا أكثر وضوحًا وإثارة للانتباه. تشمل هذه الأعراض حركات جسدية غير متوقعة مثل القفز أو اللمس أو الركل دون قصد، وقد يقوم المصاب أحيانًا بتقليد حركات أشخاص آخرين في محيطه، وهي ظاهرة تُعرف باسم “إيكوبراكسا” (echopraxia). كما يمكن ملاحظة تكرار بعض الإشارات اليدوية بشكل لا إرادي.
-
الأعراض الصوتية البسيطة
تشمل هذه العرّات أصواتًا بسيطة وغير معقولة تصدر من المصاب بشكل لا إرادي. من أبرزها السعال المتكرر دون سبب عضوي، أو إصدار أصوات تشبه القشط أو الشخير. كما قد يُلاحظ تنهدات مفاجئة أو إصدار صوت “آآ” بشكل متكرر ودون وعي.
-
الأعراض الصوتية المعقدة
العرّات الصوتية المعقدة هي من الأعراض التي قد تثير اللبس أو الحرج، حيث تشمل نطق كلمات أو عبارات غير متوقعة، وأحيانًا كلمات بذيئة أو جارحة تُقال دون نية حقيقية، وهي حالة تُعرف باسم “كوبولاليا” (coprolalia)، لكنها نادرة نسبيًا. كما قد يقوم المصاب بتكرار كلمات أو عبارات سمعها مؤخرًا من الآخرين، وهو ما يُعرف بالإيكولاليا (echolalia).
-
أعراض أخرى مصاحبة
غالبًا ما يشعر المصاب بضغط داخلي قوي (urge) قبل ظهور العرّة، وهو شعور مزعج يختفي مؤقتًا بعد تنفيذ الحركة أو الصوت. هذا الشعور يجعل المصاب مدركًا لعرّاته، لكنه لا يكون قادرًا على منعها بالكامل. كما يمكن أن تؤثر الأعراض على الحالة النفسية، فيشعر المصاب بالارتباك أو الإحراج خاصة في الأماكن العامة. وتشير الدراسات إلى أن هناك ارتباطًا بين متلازمة توريت واضطرابات نوم متعددة مثل صعوبة في الخلود إلى النوم أو الاستيقاظ المتكرر. إضافة إلى ذلك، يعاني كثير من المصابين من مشكلات في الانتباه والتعلّم، خصوصًا في حال وجود اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD) كاضطراب مصاحب.
-
أسباب متلازمة توريت
تتمثل في مجموعة من العوامل المرتبطة بعضها ببعض:
- العوامل الوراثية
- تاريخ عائلي للإصابة بالمتلازمة أو اضطرابات tics.
- انتقال خلل جيني من أحد الأبوين.
- العوامل العصبية الكيميائية
- اضطراب في توازن الناقلات العصبية مثل “الدوبامين” و”غابا”.
- التأثيرات البيئية
- بعض الالتهابات خلال الحمل أو تطور الدماغ.
- نقص فيتامينات معينة أو اختلال التمثيل الغذائي، لكن العلاقة لا تزال قيد الدراسة.
- الضغط النفسي والتوتر العصبي
- قد تفاقم الحالة، لكن لا تُعد سببًا مباشرًا.
- العوامل النفسية والاجتماعية
-
انواع متلازمة توريت
يُصنّف تبعًا للمدة والشدة:
- متلازمة توريت الكاملة (Tourette disorder) توافر tics حركية وصوتية تستمر لأكثر من سنة، في سنّ أقل من 18 سنة.
- tics مستمرة حركية فقط (Persistent (Chronic) Motor Tic Disorder) حركية فقط دون صوتية، لأكثر من 12 شهر.
- tics صوتية مستمرة فقط (Persistent (Chronic) Vocal Tic Disorder) صوتية فقط، لأكثر من 12 شهر.
- tics عابرة (Provisional Tic Disorder) تستمر أقل من 12 شهر، حركية أو صوتية.
-
طرق تشخيص متلازمة توريت
يعتمد تشخيص متلازمة توريت على مجموعة من المعايير السريرية التي يُقيّمها الطبيب المختص، بدءًا من جمع التاريخ المرضي، حيث يتم تحديد وقت بداية الأعراض وكيفية تطورها، مع التركيز على تطور الحركات والأصوات التي تظهر لدى الطفل أو الطفلة.
يُجري الطبيب أيضًا فحصًا مباشرًا من خلال مراقبة الطفل أثناء التحدث أو الجلوس، حيث تظهر العرّات (tics) في مواقف اعتيادية دون جهد واضح من المصاب لإخفائها.
واحدة من أهم شروط التشخيص هي الملاحظة المستمرة للأعراض، إذ يجب أن تكون هذه الأعراض قد استمرت لأكثر من عام، وظهرت قبل سن 18 عامًا، وتشمل على الأقل عرّتين حركيتين وعرّة صوتية واحدة، حتى وإن لم تحدث كلها في الوقت نفسه.
كذلك، يتطلب التشخيص استبعاد الحالات الأخرى التي قد تُسبب أعراضًا مشابهة، مثل بعض اضطرابات الحركة المؤقتة، حالات القلق الشديد، أو تأثيرات جانبية لبعض الأدوية.
كما يُجري الطبيب تقييمًا نفسيًا واستخدامًا لمقاييس معيارية لقياس مستويات القلق والانتباه، بهدف الكشف عن اضطرابات مصاحبة محتملة مثل اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD).
وأخيرًا، تُعد التقارير العائلية والمدرسية جزءًا مهمًا من التقييم، حيث تساعد في تأكيد وجود نمط ثابت ومستمر من الأعراض في مختلف بيئات حياة الطفل اليومية.
طرق علاج متلازمة توريت
تشمل عِدة مستويات، تهدف للتقليل من حدة الأعراض ورفع جودة الحياة، وغالبًا ما يُستخدم العلاج الشامل Multimodal approach:
- التوعية والتوجيه
- شرح المتلازمة للكبار والأقران؛ دعم نفسي وتشجيع.
- العلاج السلوكي المعرفي (CBIT)
- يعلّم تقنيات تسجيل الاستشعار الذاتي (Psychoeducation) وكبح الحركات (Competing Response).
- مجدّات نجاح على المدى الطويل أكثر من الأدوية.
- العلاج الدوائي
- مضادات مستقبلات الدوبامين (مثل aripiprazole أو risperidone).
- حمض أسيتيل كوفاميثر (alpha-2 adrenergic agonists) لتحسين tics خفيفة.
- العلاج النفسي الداعم
- إدارة القلق والاكتئاب المصاحب للحالات الشديدة.
- العلاج الأسري والتعليم المدرسي
- توعية الأهل والمدرسين حول التعامل مع الطالب المصاب.
- العلاج الوظيفي (Occupational Therapy)
- تمارين لتقوية التركيز وضبط الحركات، خاصة المفيدة للأطفال.
- العلاج البديل/المكمل
- مثل تقنيات الاسترخاء، اليوغا، وتمارين التنفس؛ شأنها تقليل التوتر، لكنها مساعدات إضافية.
طرق الوقاية من متلازمة توريت
حتى اليوم، لا توجد وسيلة مؤكدة للوقاية من متلازمة توريت، نظرًا لكونها اضطرابًا عصبيًا تطوّريًا، يرتبط بعوامل جينية وبيولوجية معقدة. ومع ذلك، يمكن تبنّي مجموعة من الإجراءات التي تسهم في تحسين جودة الحياة وتقليل حدة الأعراض، خاصة عند الكشف المبكر والتعامل السليم مع الحالة.
أولى الخطوات المهمة هي التشخيص المبكر، وذلك من خلال ملاحظة العلامات الأولية مثل رمش العينين المتكرر أو صدور أصوات غير إرادية، لا سيما لدى الأطفال الذين لديهم تاريخ عائلي من الإصابة.
يُعد الاهتمام بالصحة العامة أمرًا جوهريًا في دعم الجهاز العصبي وتقليل التهيج، ويشمل ذلك اتباع نظام غذائي متوازن، الحصول على نوم منتظم، والمشاركة في نشاط بدني معتدل يوميًا.
كما أن الدعم النفسي للطفل يلعب دورًا كبيرًا في تعزيز ثقته بنفسه، من خلال تعليمه استراتيجيات للتكيّف مع الأعراض والتنفيس عن مشاعره بطريقة صحية.
ومن العوامل المهمة أيضًا التقليل من التوتر والضغوط اليومية، عبر تخصيص أوقات للهدوء، وتعليم تقنيات التنفس العميق والاسترخاء، إضافة إلى متابعة ما قد يسببه له التوتر في البيئة المدرسية أو الاجتماعية.
في السياق ذاته، يُعد تثقيف المعلّمين والأهل ضروريًا، بحيث يكونون قادرين على فهم طبيعة الحالة والتعامل مع السلوكيات العرضية بلطف ووعي، بعيدًا عن السخرية أو التمييز.
وأخيرًا، من المهم جدًا الاستمرار في المتابعة العلاجية، سواء من خلال الدعم النفسي أو السلوكي، خاصة خلال سنوات المراهقة والمراحل الانتقالية، حيث قد تتغير الأعراض أو تزيد في بعض الفترات.
ختامًا…
✔️ إذا كنت تعاني من حركات مفاجئة غير إرادية، أو أصواتًا لا يمكنك التحكم فيها (مثل رمش العين المتكرر أو التنهد)، فقد تكون هذه علامات متلازمة توريت. لا تنتظر حتى تتفاقم الأعراض—التشخيص والتدخل المبكر يمكن أن يصنع فارقًا كبيرًا في رحلة التعايش والعلاج.
منصة نفسي فيرتول تمنحك فرصة التواصل مع دكتور نفسي أو طبيب مختص عن بُعد، بكل خصوصية وأمان، دون الحاجة لمغادرة منزلك.
🔹 سواء كنت تبحث عن:
- متابعة طبية لحالة متلازمة توريت
- علاج سلوكي معرفي متكامل (مثل CBIT أو ERP)
- طبيب نفسي مرخص في الإمارات
فكل ما تحتاجه أصبح في متناولك خطوة واحدة فقط.
💬 احجز جلستك الآن وابدأ طريقك نحو التخفيف من حدة الأعراض، التوازن النفسي، وتعزيز جودة حياتك، مع نخبة من المختصين المعتمدين والمجربين.