اضطراب التوهم المرضي: مفهومه، أسبابه وطرق علاجه
يُعد اضطراب التوهم المرضي أحد الاضطرابات النفسية التي كثيرًا ما يُساء فهمها، إذ يعيش المصاب به حالة دائمة من القلق المفرط بشأن صحته، رغم غياب أي دليل طبي يؤكد وجود مرض خطير. في هذا الاضطراب، يصبح الخوف من المرض هو محور حياة الشخص، مما يؤثر على عمله، وعلاقاته، ونوعية حياته بشكل عام.
الفهرس
مع تسارع وتيرة الحياة وازدياد القلق الصحي في العصر الرقمي — حيث المعلومات الطبية متاحة للجميع — ارتفعت معدلات هذا الاضطراب بشكل ملحوظ، خصوصًا بين الأفراد الذين يفرطون في البحث عن أعراضهم عبر الإنترنت.
في هذا المقال سنتناول اضطراب التوهم المرضي من منظور علمي مبسط، نستعرض فيه مفهومه، وأعراضه، وأسبابه، وأنواعه، وطرق تشخيصه وعلاجه، وصولًا إلى سبل الوقاية منه، بهدف مساعدة القارئ على فهم الحالة والتعامل معها بوعي متزن.
مفهوم اضطراب التوهم المرضي
اضطراب التوهم المرضي، والذي كان يُعرف سابقًا باسم “الهيبوكوندريا” (Hypochondriasis)، هو حالة نفسية تتميز بانشغال مفرط وخوف دائم من الإصابة بمرض خطير أو مهدد للحياة، رغم عدم وجود أدلة طبية تؤكد ذلك. المصاب بهذا الاضطراب يفسر الإشارات الجسدية الطبيعية — مثل الصداع، أو الخفقان، أو آلام المعدة — على أنها دليل على مرض خطير، كأورام أو أمراض القلب أو السرطان.
الفرق الجوهري بين القلق الصحي الطبيعي واضطراب التوهم المرضي هو الدرجة والمدة؛ فالقلق الطبيعي مؤقت ويزول بعد الاطمئنان، بينما التوهم المرضي يستمر لأشهر أو سنوات، ويُحدث اضطرابًا كبيرًا في حياة الفرد.
يُصنف هذا الاضطراب ضمن الاضطرابات الجسدية الشكل (Somatic Symptom and Related Disorders) وفق الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5)، وهو غالبًا ما يبدأ في سن البلوغ المبكر أو منتصف العمر.
أعراض اضطراب التوهم المرضي
تتنوع أعراض اضطراب التوهم المرضي من شخص لآخر، لكنها تتشارك في نمط أساسي هو القلق الصحي المستمر والمبالغ فيه. يعيش المريض في دوامة من الخوف والشكوك الصحية، يفسر فيها أي شعور جسدي بسيط على أنه دليل لمرض خطير.
قد يقضي المصاب ساعات يوميًا في مراقبة جسده، والبحث على الإنترنت عن أعراض الأمراض، أو زيارة الأطباء بشكل متكرر بحثًا عن تشخيص يثبت مخاوفه. وفي المقابل، قد يتجنب البعض الذهاب إلى الطبيب خوفًا من سماع “الخبر السيئ”.
من أبرز مظاهر هذا الاضطراب أن الشخص لا يطمئن حتى بعد إجراء الفحوصات وظهور نتائج سليمة، بل يشك في دقة الفحوص أو كفاءة الطبيب، مما يزيد من معاناته النفسية ويؤثر على حياته الاجتماعية والمهنية.
أسباب اضطراب التوهم المرضي
تتعدد العوامل التي تساهم في تطور اضطراب التوهم المرضي، وتشمل:
- عوامل بيولوجية: وجود نشاط زائد في مناطق الدماغ المسؤولة عن إدراك الألم والخطر.
- الاستعداد الوراثي: وجود تاريخ عائلي للاضطرابات القلقية أو الوسواسية.
- تجارب سابقة مع المرض: كالتعرض لمرض خطير في الماضي أو فقدان أحد الأقارب بمرض مفاجئ.
- العوامل النفسية: القلق العام، الوسواس القهري، أو اضطرابات الاكتئاب.
- التنشئة والمعتقدات: التربية الصارمة أو المبالغ فيها حول الصحة، أو مشاهدة أحد الوالدين يعاني قلقًا صحيًا دائمًا.
- المؤثرات الإعلامية: الإفراط في متابعة الأخبار الصحية أو البحث عن الأعراض عبر الإنترنت.
- العوامل البيئية: الضغوط النفسية المستمرة، أو العزلة الاجتماعية، أو التعرض لأزمات حياتية حادة.
أنواع اضطراب التوهم المرضي
يقسم الأطباء اضطراب التوهم المرضي إلى نوعين رئيسيين وفق طريقة تعامل المريض مع خوفه الصحي:
- النوع الفاحص (Care-Seeking Type): يميل فيه الشخص إلى زيارة الأطباء بشكل متكرر، وإجراء فحوصات طبية متكررة، ويبحث باستمرار عن تطمينات جديدة.
- النوع المتجنب (Care-Avoidant Type): يتجنب فيه المريض زيارة الطبيب أو إجراء الفحوص خوفًا من اكتشاف مرض خطير، ويعيش في قلق دائم من النتيجة المحتملة.
طرق تشخيص اضطراب التوهم المرضي
يتم تشخيص اضطراب التوهم المرضي من قبل الطبيب النفسي أو الأخصائي المؤهل بناءً على تقييم شامل لحالة المريض النفسية والجسدية. عادةً ما يبدأ الطبيب باستبعاد أي أمراض عضوية حقيقية عبر الفحص السريري والتحاليل اللازمة، ثم يعتمد على المقابلة الإكلينيكية لتحديد وجود الاضطراب النفسي.
يعتمد التشخيص على معايير DSM-5، والتي تتضمن انشغالًا مفرطًا بالصحة، وخوفًا من الإصابة بمرض خطير يستمر لستة أشهر على الأقل، مع غياب أعراض جسدية شديدة أو وجودها بدرجة بسيطة لا تفسر القلق الزائد. كما يأخذ الطبيب بعين الاعتبار أثر هذه المخاوف على حياة الفرد اليومية، وقدرته على العمل أو الحفاظ على علاقاته الاجتماعية. التشخيص الدقيق لا يهدف إلى “نفي المرض”، بل إلى فهم طبيعة القلق الصحي وتوجيه المريض نحو العلاج النفسي المناسب الذي يساعده على التحكم في أفكاره ومشاعره.
طرق علاج اضطراب التوهم المرضي
تتنوع أساليب علاج اضطراب التوهم المرضي، وغالبًا ما تتضمن مزيجًا من التدخلات النفسية والطبية، منها:
- العلاج المعرفي السلوكي (CBT): يعد العلاج الأساسي والأكثر فعالية، حيث يساعد المريض على التعرف إلى أفكاره المبالغ فيها وتصحيحها، وتعلم مهارات التحكم في القلق.
- العلاج النفسي الديناميكي: يهدف إلى فهم الجذور العاطفية العميقة للاضطراب، مثل الخوف من الموت أو فقدان السيطرة.
- العلاج الدوائي: في بعض الحالات، قد يصف الطبيب مضادات الاكتئاب من نوع مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs) للمساعدة في تخفيف القلق والوساوس.
- التثقيف النفسي: يساهم في توعية المريض حول طبيعة الاضطراب، وتوضيح العلاقة بين الحالة النفسية والأعراض الجسدية.
- العلاج الجماعي أو الأسري: يعزز الدعم الاجتماعي، ويساعد الأسرة على فهم الاضطراب والتعامل معه بمرونة.
- تعديل نمط الحياة: عبر ممارسة الرياضة بانتظام، والنوم الكافي، وتقنيات الاسترخاء مثل التأمل والتنفس العميق، وتقليل التعرض للمعلومات الطبية العشوائية.
ختامًا…
✔️ إذا وجدت نفسك دائم التفكير في إصابتك بمرض خطير، أو تقضي ساعات في البحث عن الأعراض على الإنترنت رغم أن فحوصاتك سليمة، فقد تكون هذه علامات اضطراب التوهم المرضي. لا تتجاهل قلقك، فالعلاج النفسي المبكر يساعدك على استعادة التوازن والطمأنينة.
منصة نفسي فيرتول تمنحك فرصة التواصل مع دكتور نفسي أونلاين بكل خصوصية وأمان، دون الحاجة لمغادرة منزلك.
🔹 سواء كنت تبحث عن:
- دكتور نفسي متخصص في اضطرابات القلق والتوهم المرضي
- علاج نفسي عن بُعد
- طبيب نفسي مرخص في الإمارات
فكل ما تحتاجه أصبح في متناولك بخطوة واحدة فقط.
💬 احجز جلستك الآن، وابدأ رحلتك نحو راحة البال والتوازن النفسي، مع نخبة من الأخصائيين المعتمدين والمجربين.
المصادر المستعملة لكتابة المقال
منظمات دولية وهيئات طبية
Illness Anxiety Disorder – StatPearls – NCBI Bookshelf
مصادر أكاديمية وطبية
Illness Anxiety Disorder (Hypochondria): Symptoms & Treatment
Illness anxiety disorder – Symptoms and causes – Mayo Clinic
مقالات ومصادر متعمقة
What to Know About Hypochondriasis or Illness Anxiety Disorder



